تناولت مجلة الإيكونوميست في هذا التقرير الكيفية التي تحوّلت بها مراكز توزيع الغذاء إلى مسرح للتوتر والعنف، وسط مجاعة تهدد حياة السكان في القطاع.
قبل الفجر يوم الأول من يونيو، غادر أيمن، سائق التاكسي السابق الذي نزح سبع مرات منذ بدء الحرب، خيمته القريبة من شاطئ غزة. سار مع شقيقه خمسة كيلومترات وسط الركام نحو ضواحي مدينة رفح الجنوبية، حيث أشيع وجود مركز جديد لتوزيع الغذاء تديره جهات أمريكية. اجتازا ممرًا شبكيًا وصولًا إلى نقطة أمنية محاطة بحراس مسلحين، بعضهم أمريكيون وآخرون يتحدثون العربية، يراقبون صناديق كرتونية مكدّسة بالطعام. لكن أعداد الجائعين فاقت بكثير كمية المساعدات، فانفجر الموقف. أُطلقت النار، وتشير تقارير لاحقة إلى مقتل نحو 30 شخصًا. أيمن وشقيقه لم يقتربا من هذه المراكز منذ ذلك الحين.
تشير الحادثة إلى تعقيدات "مؤسسة غزة للمساعدات"، وهي كيان مدعوم أمريكيًا يهدف إلى تنسيق وتسريع إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. تدير المؤسسة مراكز توزيع مؤقتة داخل منطقة عازلة تقع جنوب القطاع، بالتعاون مع القطاع الخاص الأميركي، وسط إشراف عسكري غير مباشر. يظهر اسم المؤسسة بشكل متزايد في النقاشات الدولية، حيث تختلف الآراء بشأن أهدافها، وجدواها، وما إذا كانت مقدمة لحل، أم أداة للنفوذ، أم مجرد ارتباك آخر ضمن الفوضى الأكبر.
يقول بعض المحللين إن المؤسسة تمثّل محاولة لتجاوز عجز الأمم المتحدة وعجز الأونروا في إيصال المساعدات، خاصة بعد الضغوط الإسرائيلية على تلك الوكالات. بينما يرى آخرون أن المشروع يتّسم بالفوضوية، ويغذّي صراعات السيطرة بين الفصائل المحلية، إذ تتنازع حماس وإسرائيل والجهات الدولية على النفوذ في المنطقة العازلة. في المقابل، يعتبر مؤيدو المؤسسة أنها توفر شريان حياة للمدنيين، وأن أي بديل عنها لم يظهر بعد.
مع توسّع نطاق المجاعة، يسعى عشرات آلاف الفلسطينيين إلى المراكز أملاً في الحصول على الغذاء. لكن التنظيم الهشّ، واستخدام شركات أمن خاصة، يثير مخاوف من عسكرة المساعدات وخصخصة العمل الإنساني. إضافة إلى ذلك، يخشى البعض أن تستخدم هذه المنصة لاحقًا كبديل إداري لحكم غزة، ما يعمّق الشكوك حول دوافعها الحقيقية.
وإذا استمرت المؤسسة في العمل، فقد تتحول إلى أداة سلطة جديدة في قطاع غزة، خاصة في ظل فراغ الحكم المتزايد وغياب أي أفق سياسي واضح. وفي الوقت ذاته، تنذر الحوادث الدموية مثل حادثة رفح بأن غياب التنسيق المجتمعي، وانعدام الشفافية، وغياب الجهات المحلية من العملية، كلها عوامل تهدد بانهيار هذا المسار.
تكشف هذه التجربة أن المساعدات الإنسانية ليست محايدة دومًا، بل يمكن أن تتحول إلى أدوات للسيطرة السياسية أو حتى إشعال مزيد من التوترات. ويتوقف مصير "مؤسسة غزة للمساعدات" على قدرتها على اكتساب ثقة الناس، واحترام كرامتهم، وإشراكهم فعليًا في إدارة مواردهم، بدل فرض حلول فوقية تحمل في ظاهرها الطعام، وفي باطنها نفوذًا جديدًا.
https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2025/06/12/conspiracy-cock-up-or-solution-the-gaza-aid-foundation